أحمد عبد الخالق يكتب الخطايا الأمريكية في السودان.. إلى أين؟
مازالت الأزمة السودانية مستمرة دون حسم النزاع بالحرب أو التفاوض، وسط تناقضات في الموقف الدولي بين من يؤيد ويساند الجيش السوداني الذي يحظي بالشرعية والتأييد الشعبي في كافة أنحاء السودان، ومن يؤيد مليشيا متمردة تقاتل بلا هدف غير تدمير مؤسسات الدولة السودانية، هذه الأزمة تمثل خطرا داهما على الأمن القومي المصري حيث يمثل السودان عمقا إستراتيجيا للدولة المصرية وامتدادا طبيعيا لاستقرار أمن وادي النيل،
الغريب أن من يطالبون بوقف إطلاق النار لا يقدومون حلا عاجلا لأصل الأزمة، بل يطرحون وقفا غير مشروط ليظل كل طرف في مكانه، وكان الأمر هو هدنة لالتقاط الأنفاس ووصول دعم من هنا وهناك للمليشيا التي تقاتل الجيش السوداني، أو على أقل تقدير توفير ممر آمن للفرار وإعادة التمركز في دارفور وهو ما يعيه الجيش السوداني تماما وكان سببا رئيسيا في تجميد مشاركة الوفد الرسمي للجيش في مفاوضات جدة.
فور فشل مفاوضات جدة بين الجيش السوداني ومليشيا حمدتي بوساطة سعودية – أمريكية، قال زير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إنّ طرفي الصراع في السودان انتهكا التزامات وقف إطلاق النار، محذراً من أنّ واشنطن تبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها. كما أكد جاك سوليفان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ، إنّ الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية وقيوداً على التأشيرات بحق السودان، لأن هناك مخاوف من صراع طويل الأمد ومعاناة واسعة النطاق في البلاد مع فشل طرفي القتال في الالتزام بوقف إطلاق النار. وإنّ أعمال العنف في هذا السودان تشكل “مأساة ينبغي أن تتوقف.كما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات تستهدف كيانات في السودان، وأن أمريكا تبحث أيضاً الخطوات التي يمكن اتخاذها لتوضيح وجهات نظر أمريكا لدى أي من الزعماء الذين يقودون السودان في الاتجاه الخاطئ بإدامة العنف وانتهاك وقف إطلاق النار.
ومجمل العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان يدعو للغرابة، حيث فرضت عقوبات على شركتين تابعتين للحكومة والجيش الرسمي السوداني وفي المقابل فرضت عقوبات على شركتين مسجلتين بأسماء آلـ دقلو، الأولى بسم محمد حمدان دقلو والثانية باسم شقيقه أحمد حمدان دقلو وكلاهما في دولة الإمارات العربية.
أكثر من خمسين عاما يعاني السودان من العقوبات والحصار بكل أنواعه لم يأخذ قرضا ولم يتلق منحة من أمريكا أو أي من الدول الحليفة لها أو حتى من الهيئات المالية الدولية، فكيف سيكون شكل العقوبات الأمريكية الجديدة على السودان ؟
الدعم السريع قوة مليشيا متمردة، خالفت الأوامر العسكرية المستديمة والثابتة في كل جيوش العالم وليس الجيش السوداني فقط ، واحتلت مرافق الدولة، وقتلت المرضى في المستشفيات وعرضت كيان الدولة السودانية لخطر وجودي حقيقي، وهيئت الفرصة بما تملكة من سلاح ودعم خارجي لحرب أهلية ضروس، وأمريكا تعلم أن القائد العام للقوات المسلحة السودانية لديه كل الصلاحيات في تحريك أي قوة مسلحة داخل الحدود السودانية وإذا خالفت الأوامرالمستديمة أصبحت فورا قوة متمردة تهدد كيان وأمن الدولة السودانية وأن الجيش السوداني الذي يزيد عمرة عن 100 عام هو المسئول الأول عن إنهاء هذا التمرد.
ولكن الولايات المتحدة لها رأي آخر، ونموذج ثابت يطبق في دول الشرق الأوسط على مدى عقود، بدءا من الصومال و العراق و سوريا و ليبيا واليمن، و حتى الآن هو نفسه في السودان من منطلق استعماري بحت (إما بيدق تخدم المصالح) وإما (العقوبات) والدفع نحو حروب ونزاعات أهلية والقتل والتدمير إلى ما لا نهاية، والهدف تحويل الدولة إلى كومة من التراب وسط نداءات غير حقيقية بضبط النفس وصناديق الانتخاب وحقوق الإنسان.
الموقف الأمريكي في السودان غريب حقا لأنه ببساطة يساوي الجيش الرسمي للدولة الذي يسانده الشعب السوداني بالمليشيات المتمردة المنفلتة التي تحتمي بالمدنيين وتوقف الحياة في عاصمة الدولة ولكن العين الأمريكية لا ترى كل هذا التأييد الشعبي السوداني لجيشه الوطني، هذا الموقف الغريب يأتي مع علم الولايات المتحدة أن مليشا الجنجويد مدعومة من سنوات من أطراف ترى الولايات المتحدة أن تمددها في إفريقيا يمثل خطرا على التاثير الأمريكي في دول القارة ولكن الولايات المتحدة ترى أن استمرار الصراع الذي قد يصل إلى الحرب الأهلية هو حل مثالي ونتيجة سريعة لخطط الربيع العربي التي لم تسحب من على الطاولة الأمريكية حتى الآن، وهو ما يحتم على السودان حكومة وشعبا أن يعى خطورة الوساطة الأمريكية وأهدافها وكيفية مواجهتها خاصة بعد فرض العقوبات الأمريكية على السودان.
أحمد عبد الخالق
جريدة الاهرام المصرية
التعليقات مغلقة.