مشاهد محمد الطيب عابدين رُزنامة حرب قلب الوطن (٩)
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاهد
محمد الطيب عابدين
*رٌزنامة*
حرب قلب الوطن
“””””””””””””””””””””””””
( ٩ )
خرجنا من بطن معبر أرقين العفنة، إلى أطرافه الجنوبية النتنة ..، نبتغي باصاً ينقلنا إلى مدينة القضارف . السائق و طاقمه الشره و السماسرة، يكشرون لنا عن أنيابهم الجشعة، يمتصون أموال المنكوبين و المقهورين؛ يطلبون مبالغ ضخمة لقاء تذكرة الرحلة . بعد جهد جهيد، و مفاوضات عنيدة تمكنت من الصعود الى الباص المزر البائس .
الطرق القومية السريعة في كل البلاد باتت متهالكة، محفرة، و مقطعة الأوصال، يضطر السائق للنزول منها و السير على الرمال و الأحجار لعلها أقل وعورة و أخف وطأة على الركاب . أين تذهب أموال معابر الطرق القومية ؟ … ألا تكفي لصيانة هذه الطرق ألا طرق ؟ .
*كعادته،* يتوقف السائق في كافيتريا فقيرة ساخنة جداً يديرها *حبشي* يغالي في أسعار المأكولات والمشروبات؛ *نحن شعب طيب حد العبط، و حكومة غافلة حد الضياع و التفريط ..*
*يبدو جميلاً شاباً، مدخل دنقلا العجوز .* الميناء البري و محيطه و أعداد قليلة من الناس و ( التكاتك ) تنقل الركاب الذين كانت وجهتهم دنقلا .
*دنقلا العرضي تعرض لنا نخيلها الباسق*، و خضرتها النضرة .
*جبل البركل العظيم* يحدث عن حضارة كوش و تاريخ وادي النيل العريق . حدثني أحدهم أن متحف جبل البركل صار خاوياً يشكو الأهمال و الفساد . *نحن أمة لا تعرف قيمة تاريخها ، ولا تجيد الحفاظ على حاضرها، و لا التخطيط لمستقبلها* . قتلنا الفساد قبل الجنجويد ..
*مساحات واسعة من الأراضي المسطحة الزراعية البكر .* تشتاق من يفض بكارتها، و يدفق فيها بذرة الحياة و الخير و النماء و الخضرة؛ ولكن تعبث فيها الرياح و الرمال و حرارة الشمس الحارقة .
*عطبرة مدينة صاخبة*، دبت فيها الحياة و الحركة باكراً، ينزل عدداً كبيراً من المسافرين، و يصعد آخر ليبدأ رحلته لتوه .
*كسلا الوريفة* تستقبلنا بأمطار غزيرة و خيراتها من الفاكهة الطيبة . تشتم رائحة الخريف و عبق توتيل و السواقي الساحرة .
*ندخل مساءً قضارف الخير و البركة و السمسم* . حي الميدان، مضارب المرحوم عبد القادر محمد سعيد، و زوجه نعمات عمر خليل . تلك حكاية ترويها مشافهات الرواة و الحكاوين و المؤرخين لتاريخ القضارف الحديث .
لا أثر و لا خبر و لا تأثر بحرب الخرطوم اللعينة، منذ أن تجاوزنا محيط سجن الهدي غرب أمدرمان، حتى بلغنا أخر نقطة في الحد الشمالي مع مصر؛ ثم قفلنا عائدين جنوباً حتى مدينة القضارف، يسمع الناس عن حرب الخرطوم كما يسمعون عن حرب الكونغو ، و اليمن ، و أوكرانيا … ألم أقل لكم تلك حرب قلب الوطن، حرب قلب الخرطوم فقط .
يتبع بإذن الله ،،،
محمد الطيب عابدين
القضارف السبت ١٧ يونيو ٢٠٢٣م
التعليقات مغلقة.