د. عبد العظيم حسن يكتب دولة القانون نهاية بطل
دولة القانون
نهاية بطل
لا يميل معظم من كتبوا الروايات وأخرجوا الأعمال الفنية أن ينتهي عملهم الإبداعي بموت البطل دون تجسيد لرسالتهم الفلسفية. في المشهد السوداني وبالتوازي مع درامات الحرب الميدانية تدور صراعات عنيفة وفي ذات الوقت خفية بين من يجوز أن يكونوا الأمل في إنهاء الحرب المسلحة وبناء الوطن الجديد. فتنة الصراعات التي لا تستعمل فيها الأسلحة الثقيلة ولا مضادات الطائرات تكمن خطورتها على مقدرتها في الاستمرار والتمدد إلى أن تفتك بالبطل (الشعب). فالأمم التي لا تدرك أن هناك حد أدنى يجمعها فإنها لا محالة ستبيد نفسها بنفسها. فاندلاع الحرب المسلحة والشاملة بالسودان كانت القنبلة المشتعلة والتي لا ينقصها إلا عامل الوقت لتنفجر. الكثيرون ممن هاجروا أو هجروا الوطن كانوا يرون هذه الحقيقة التي تأجلت كثيراً بلا حاجة لاستراتيجي ليؤيد قرارهم المنطقي.
ها هي الحرب المكشوفة والشاملة قد وقعت، لكن السؤال الذي يظل قائماً هل صراعاتها المستترة وفتيل أزمتها سيتلاشى بالهدن أو الوقف الشكلي لإطلاق النار أم أن الحال سيظل مستعراً؟ للأسف الإجابة معلومة، فأمام الأمم والشعوب والوسطاء أصبحنا مكشوفين حال. فبدلاً من أن نلم شملنا ونجلس في طاولة واحدة نناقش شأننا الداخلي إلا أن كثيرون يثقون في غيرنا أكثر من أنفسهم وبنات وأبناء وطنهم. المؤسف أن واقعنا يذكّرنا بأحداث منتصف خمسينيات القرن الماضي حينما انقسمنا لفريقين أحدهما يدعو للاستقلال والآخر ينادى علناً بالوحدة مع مصر. فأي عاقل هذا الذي ينقسم حتى في أمر حريته ومصيره؟ للتاريخ، ومهما حاولنا أن نلقي باللوم على القادة والساسة فإن الشعب الذي يستكين طوال هذه المدة ويصفق لنفس الشخوص هو الذي يجب أن يلام لا أولئك الميؤوس منهم من الذين لا يجوز تشبيهم إلا بالذي سيقول لهم ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم.
بعيداً عن الندم والبكاء على اللبن المسكوب فإنه الحل الوحيد نبذ الفرقة والتوحد. هذا الهدف لا يتحقق إلا إذا تجرد المهنيون وشرعوا فوراً، ولو في مجموعات صغيرة، واختاروا علناً لجان تمهيدية تمثلهم حقيقة. فالتمثيل المختطف لن يصنع الحرب وحسب، وإنما سيعجز البقية في أن تسعى لكسر الطوق وتعلن الاستقلال. أي بروز أو استمرار للقيادات التي اختطفت الثورة في نسختها الأولى لن يعيد إلا أعداء الثورة والذين هم ليسوا بوحدهم الذين ينطبق عليهم مصطلح الكيزان والفلول. فالكوز هو كل من يسلك منهج تجيير إرادة أمة أو مجموعة عمل لمصلحته الشخصية أو الحزبية أو الجهوية. إن في غالبية الشعب السوداني الصفات الحميدة والمعدن الأصيل والذكاء الفطري. لهذه الأسباب وغيرها لا يجوز لهذا الشعب أن يهيم يتيماً أو لاجئاً أو أن يقبل الهزيمة أو أن يكون مصيره موت البطل ومجاناً.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
14 يونيو 2023
التعليقات مغلقة.