الايام نيوز
الايام نيوز

د.عبد العظيم حسن المحامي يكتب دولة القانون المشاورات السياسية

دولة القانون
المشاورات السياسية
نجاح أي عمل سياسي أو نقابي أو عام يكمن في القدرة على إقناع الجماهير فتدعم وتشارك بكل خطوات القيادة القادمة من قواعدها. ثقافة المجتمع السوداني وعند قيام دولته الحديثة نشأت بدوية رعوية. لهذا السبب، وأسباب إقليمية أخرى، وصف الكثيرون الخروج عن هذا الواقع بالصراع بين قوتين رجعية وتقدمية. تزامن مع هذا الصراع أن صاغ قواعد العمل السياسي قوى اليسار، ولعل أكبر شاهد على ذلك فوزهم بغالبية مقاعد الخريجين في الانتخابات التي أعقبت ثورة أكتوبر المجيدة. لمواجهة اليسار عمد حسن الترابي على تكثيف نشاطه وسط الطلاب والمثقفين دون أن تسلم من تحركاته القوات النظامية متأسياً بمن سبقه من أحزاب. أولى خطوات الترابي كانت بانشقاقه عن تنظيم “الأخوان المسلمون” مكوناً على فكرتها تنظيم الحركة الإسلامية السودانية. على عثمان محمد طه والذي كان مسؤولاً عن تنظيم الطلاب وقتذاك هو أول من نفض يده عن بيعة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد معلناً ولائه للترابي. كغيره من رواد العمل السياسي لم يتردد الترابي في تبني الأساليب والأدوات التي ترسخت قبل وبعد الاستقلال.
المتابعون للشأن السوداني، يرون أن الأحزاب الحديثة لم تستفد من التاريخ فاتخذت من ذات قواعد اللعبة منهجاً. أكثر حزب أو حزبين سنحت لهما فرصة الخروج عن هذا التنميط هما المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي. فهذان الحزبان كانا من أنشط القوى الثورية في الفترة التي سبقت نجاح ديسمبر المجيدة. ولأن كل القوى الثورية لم تكن لديها ما يستوعب التغيير وجد الحزبان المذكوران أنفسهما أمام تعارض الوفاء بما قطعه خالد سلك من وعود بساحة الاعتصام بعدم تولي السلطة وبين شهوة تقلّدها فمال الهوى للأخيرة. لو أن حزبي المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي صبرا على التمسك بتلك الوعود المبدئية لكان لمسيرة الثورة شأن آخر. على طريقة البيتين والحزبين الكبيرين ما زالت تدار جميع العمليات السياسية والنقابية بالأنا، الإقصاء والتكالب على السلطة. بذات النهج تصطف الأحزاب الحديثة خصماً ضد مخالفيها ومختطفة للمشهد بلا أدنى مشاورات مع أصحاب المصلحة.
لتقريب الصورة فإن لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين رشحها التحالف الديمقراطي للمحامين ومن ثم عينتها لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين. بعد نجاح الثورة لم يعد التحالف قائماً وأصبحت اللجنة القانونية للحرية والتغيير هي من تتصدى للشأن العدلي وحتى السياسي. للانشقاقات التي ضربت عمق الحرية والتغيير لم يعد من وجود لهذه اللجنة القانونية إلى أن تم إعادة تشكيلها من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري. باندلاع الحرب زاد الوضع تعقيداً وسيزداد بلا ملامح أو أمل في توسيع دوائر المشورة والمشاركة. على الرغم من أن المحامين كانوا أكثر القطاعات التي شاركت وصنعت الثورة، إلا أن واقعهم لا يكشف عن رؤية أو تدابير لإحداث اختراق جوهري ودور حقيقي في تقديم صيغة لوقف الحرب. أول من يقع على عاتقهم إطلاق وصفة المشاورات لجنة تسيير نقابة المحامين. هذه اللجنة ولكونها غير منتخبة فإن تفويضها القاصر يستوجب، وباعجل ما يمكن، أن تعود للقواعد لتستلهم منهم الحلول. لحسن الحظ، وسائل التكنولوجيا سهلت كثيراً في عمليات المشورة وإشراك القواعد في اتخاذ القرار. إذا ظل الصمت هو المسيطر على لجنة تسيير نقابة المحامين فإن ذلك لا يعفي القواعد من واجب التصدي وتقديم وصفة وقف الحرب.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
23 أغسطس 2023

التعليقات مغلقة.