الايام نيوز
الايام نيوز

فريق شرطة(حقوقي)د. الطيب عبدالجليل حسين محمود يكتب جيش الضرورة وحرب الضرورة(3)

جيش الضرورة وحرب الضرورة(3)

عملية بناء نظام سياسي يتوافق مع موروث القيم والتقاليد والعادات المقبولة والمعتبرة في السياق الإنساني في البلاد التي تتعرض للتغيير، تتطلب ظروفاً ملائمة ومناخاً لهذا البنيان، وتقع المسئولية على عاتق النخبة أو الصفوة الـ Elites من رجالات البلاد. ويقول أرسطوطاليس:(إنه يجب أن يُثقف المواطنون وفقاً لروح الدستور الذي يعيشون في ظله). ولذلك، هدف أي دولةٍ لبناء نظام سياسي يخدم مجتمع الدولة، يكمن في تسخير القوة المهنية العسكرية لخدمة المصالح الحيوية للأمن القومي، مع حماية رفاهية شعبها من أن تُهدد من جراء الاستخدام الخاطئ لتلك القوة.
ودولة السودان الحالية تحددت معالمها السياسية والجغرافية والبشرية خلال الفترة 02/12/1898م – 01/01/1956م بموجب إتفاقية 19 يناير 1899م الموقعة بين الحكومتان المصرية والبريطانية، وبمقتضاها كانت السيادة المشتركة على السودان السياسي الحالي، والذي وقتئذ سمي بالسودان الإنجليزي المصري. ومنذ طلائع إستقلال السودان من تبعية العلم البريطاني والعلم المصري، فقد تمّ تقرير مصير السودان بالصك التشريعي قانون الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان لسنة 1952م الصادر بتاريخ 08/05/1952م من الحاكم العام البريطاني على السودان السير/ روبرت هاوSir/ Robert How، وصدور القانون من البريطانيين كان لمنع أطماع المصريين في السودان(وحدة وادي النيل بإتحاد السودان مع مصر)، وكذلك لعوامل وأسباب متعلقة بالنظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية.
ولذلك، ولأجل تجاوز آثار قانون الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان لسنة 1952م والخلافات بشأنه من الجانبين اليريطاني والمصري، صدرت وثيقة إتفاقية الحكم الذاتي للسودان بتاريخ 12 فبراير 1953م(كأول دستور لدولة جمهورية السودان)، وقد وقع على وثيقة إتفاقية الحكم الذاتي للسودان السفير البريطاني في القاهرة المستر/ رالف ستيفنسونStevenson Ralfمن جانب الحكومة البريطانية، ووقع اللواء أركانحرب/ محمد نجيب عن جانب الحكومة المصرية بصفته رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952م، ووقعت عليها جميع الأحزاب السودانية(الحزب الإتحادي، حزب الأمه، الحزب الجمهوري الإشتراكي، وكيانات عمالية وطلابية). ولإبرام إتفاقية الحكم الذاتي للسودان وتقرير المصير للسودانيين، يلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حاضرة بتأثيراتها السياسية، لحلول الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية محل الإمبراطورية البريطانية في علاقاتها الدولية والسياسية لإعادة ترسيم دول العالم وفقاً لإستراتيجيات المصالح السياسية والإقتصادية والسيطرة على دول العالم لإعتبار أن الولايات المتحدة الأمركية هي البديل لإرث الدول الأوربية الاستعمارية للقارة الأفريقية ودول الشرق الأوسط العربي والدول ذات التوجه الإسلامي. فقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دور الوسيط والمسهل بين الجانبين المصري والبريطاني، بعرضها مسألة قضية جلاء الإنجليز بخروجهم عن مصر بعد التوصل إلى حل مرضي في السودان. وعرضها دخول مصر في حلقات الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط في قيادة دول المعسكر الغربي. وبذلك، أمريكا بدأت تظهر في المحافل السياسية الدولية، باعتبارها دولة ذات مصالح متنامية في الشرق الأوسط، وأن وجودها إستراتيجي بهدف تحجيم النفوذ السوفيتي، وتحجيم المد الشيوعي في منطقة الشرق الأوسط.
ومن ثمّ جاء الحكم الوطني 01/01/1956م، وخلالها بلاد أرض السودان شهدت 6 حروب ونزاعات مسلحة داخلية دموية. بداية بتمرد قوات من الجيش السوداني من أبناء جنوب السودان 1955م – 1958م قبل أن ينال السودان الإستقلال وتقرير مصيره من الإستعمار، وقد كان تمرد 1955م أول حرب أهليه، وأول تمرد عرقي في القارة الأفريقية السمراء التي كانت تستعد للإنتفاضة ضد المستعمر الغربي من أجل الظفر بالحرية والتقدم والنماء، وإنتهت التمرد سياسياً بما يسمى بإتفاقية المائدة المستديرة جوبا. والحرب الثانية هي حرب 1962م – 1972م مع حركات قوات الأنانيا، وإنتهت بإتفاقية سلام أديس أبابا خلال فترة الحكم المايوي 25 مايو 1969م – 11 أبريل 1985م. والحرب الثالثة هي حرب 1983م – 2005م مع قوات الحركة الشعبية، وإنتهت سياسياً باتفاقية السلام الشامله نيفاشا ومبدأ تقرير المصير لجنوب السودان، وفصل جنوب السودان عن شماله. وحروبات دارفور مع الحركات المسلحة المتناسله عددياً، وبحسب المراقبين عددها 84 حركة مسلحة(أبرزها حركة جيش تحرير السودان، قيادة عبدالواحد محمد نور. حركة العدل والمساواة، قيادة د. خليل إبراهيم/ د. جبريل إبراهيم. حركة تحرير السودان، قيادة أركو مني مناوي). وحروبات ولايات جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وهي حركات متناسلة التكوين من قوات الحركة الشعبية لجنوب السودان(جدلية عقدة المنطقتين في دستور جمهورية السودان الإنتقالي 2005م، ويقصد بها منطقة جنوب كردفان ومنطقة جنوب النيل الأزرق)، وكلاهما يشكلان الحرب الرابعة والحرب الخامسة على التوالي، وإنتهت تلك الحروبات بإتفاقية سلام جوبا 2020م، وبمقتضاها تم تعديل الوثيقة الدستورية 2019م بإدماج وثيقة سلام جوبا في الوثيقة الدستورية، وأن تسود أحكام إتفاقية سلام جوبا على ما يتعارض معها من أحكام في الوثيقة الدستورية(خلافاً للأعراف والتقاليد الفنية التشريعية لصناعة الدساتير)، متجاوزة بذلك التعديلات لمسألة الحيز الدستوري بالنسبة للدساتير والقوانين دون الوطنية في البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات(الحركات المسلحة)، وحيث الحيز الدستوري للكيانات دون الوطنية متعلق بآليات تضمين السلطات والصلاحيات للكيانات دون الوطنية في الدساتير والقوانين الوطنية. وأخيراً الحرب الدائرة منذ تاريخ 15 أبريل 2023م بتمرد قوات الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية، ودخولها في حرب شاملة مع القوات المسلحة والقيام بهجمات مسلحة ضد المدنيين والأعيان المدنية الخاصة والعامة.
ومجمل هذه الحروب، أسبابها إجتماعية إثنية وعرقية، وصراع حول موارد الطبيعية وموارد المياه والرعي والزراعة في بعض من مناطق النزاع الجغرافي في السودان، وتحولت سياسياً بمطالب وثورات محليه مناهضة للسلطة المركزية في الخرطوم تحت شعارات العدالة الإجتماعية، وتغذيها عوامل وأطماع ومصالح الخارج الدولي والإقليمي. فهذه الحروب أقعدت بلاد السودان كثيراً من تصنيف موقعة المتخلف لأواسط السبعينيات من رجل أفريقيا المريض إلى تصنيف حالة اللادولة. وذلك لإختطاف الدولة داخل رداء تشاكسات وصراعات الأحزاب السياسية المستقوية في صراعاتها السياسيه بالعسكرتيريا لسعيها إمتلاك السلطة والنفوذ الإقتصادي والإجتماعي. ومن ثمّ، جاءت إفرازات ضربات أنظمة الحكم العسكري الشمولية للعهد المايوي العقائدي البيريتوري Praetoriamism لممارسة دور سياسى متأرجح مستقل أحياناً كثيرة عن المدنيين، بتبنيه تيارات الإشتراكية العالمية، ومن ثمّ في ردة سياسيه عكسيه متحوله تجاه الإسلام السياسي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في النظم والقوانين المدنية والجنائية. وكانت سلطة الثلاثين من يونيو 1989م الإسلاموية، ذات نظام التحالف العسكرى المدنى المتسم بدرجة عالية من عدم الإنفصال والتمايز بين النُخب العسكريه وغيرها من النُخب المدنية(الحركة الإسلامية العالمية وحزب الجبهة الإسلامية القومية الممثلة لكتلة المعارضة لحقبة حكومة 1986م – 1989م)، وحيث ساد بين العسكريين والمدنيين علاقه تكافلية وتبادلية، وفيه شكلاً وموضوعاً تولى المدنيون الحكم وإدارة جهاز الدولة، بناءاً على دعم وإسناد مباشر من العسكريين أو الجيش والذي صار مختطفاً أيديولوجياً في القيادة والسيطرة ووسط كوادر بينية في هيكل الرتب العسكرية الوسيطة والقاعدية. وبذلك ظلت المؤسسة العسكرية في معناها الضيق(متلازمة الجيش والشرطة والميليشيات العسكرية والميليشيات الحزبية)، فاعلاً سياسياً ويتصرف بشكل رسمى بين الجماعات المدنية السياسية المتنافسة.
ومن مآلات وأسباب الحرب الدائرة في السودان، سيولة وتضعضع وفقدان هيبة الدولة المترنح تحت ضربات لكمات شعارات الحرية والديمقراطية العالمية وأطروحات أيديولوجيات الإسلام السياسي والإسلاموية، واللتين كلاهما لا يعترفان بموروثات القيم والأعراف والتقاليد المحلية المقبولة والمرعية في السياق الإنساني الكوني والمزاج العام للسودانيين. فمنذ تقرير مصير السودان بقانون الحكم الذاتي للسودان بتاريخ 08/05/1952م من الحاكم العام البريطاني ووثيقة تقرير مصير السودان بتاريخ 03 فبراير 1953م من سلطتي الحكم الثنائي الإنجليزي والمصري وفترات الحكم الوطني 01/01/1956م، لا الشعارات الإسلاموية والإسلام السياسي، ولا شعارات الحرية والديمقراطية العالمية، المتبناة والمطروحة من النُخب والصفوة السودانية نماذج خالصة صالحة وسليمة، ليأخذها السودانيون بفرضها محاكاة لهما كما هي كائنة As is it is لإدارة شأنهم الداخلي.
والحال هكذا، يبقى على الكتله الحرجة الصامته من أهل السودان، مثقفيه وصفوته ونُخبه وعقلائهم من أهل الحل والعقد والرأي وذات الشوكه، التصدي بالفعل والعمل لتصدعات وشروخات الحرب الدائرة في السودان منذ تاريخ 15 أبريل 2023م، فهي حرب شامله لا يسندها مشروع أو هدف سياسي يتصالح معه السودانيين ويتعايشوا. وأنها حرب لا تنفك ولا تنفصل عن ما يرسمه نفوذ وسياسات النظام الدولي الرأسمالي(أوروبا وأمريكا الشمالية)، ببلقنة السودان وصوملته، وعلى نحو ما جرى في يوغسلافيا والإتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان في أوروبا، وما جرى ويجري الأن في الصومال والعراق وسوريا ولبنان واليمن.
فالحرب الدائرة فاعليها النظام الدولي الرأسمالي، لإدارة مصالحه في القارة السمراء أفريقيا ودول الشرق الأوسط البترودولارية ودول موطن ثورات الربيع العربي، بتفكيك دول القاره الأفريقية جنوب البحر الأبيض المتوسط والصحراء إلى دويلات وكيتونات وقيتوهات وفقاً لنموذج خارطة برناردو لويس 1983م الأستاذ حامل درجة الدكتوراة في التاريخ السياسي والمتقاعد بجامعة برنستون الأمريكية، والمفكر اليهودي البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية والمهندس لمخطط مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، والمهندس لخارطة تقسيم السودان التي قدمها للكونجرس الأمريكي ووافق عليها بالإجماع في جلسة سرية، وبذلك سياسياً تمّ تقنين مشروع التقسيم والترويج له سياسياً في العقل الجمعي الأمريكي والعالمي الأوروبي. وقد تبنّى الجمهوريون أو المحافظون الجدد، أفكار برناردو لويس، وحوّلوها إلى برامج عمل وإجراءات تستهدف تفكيك دول القارة الأفريقية جنوب البحر الأبيض المتوسط والصحراء والدول المتشاطئة على البحر الأحمر، وتغيير اسم المنطقة المقسمة إلى الشرق الأوسط الكبير. وإعتماد مشروع التقسيم بإدراجه في ملفات السياسة الأميركية الإستراتيجية لسنوات مقبلة، وتحديد ميزانيات مالية تمّ توزيعها في مخصصات الوزارات المعنية بالمشروع في البيت الأبيض والبنتاغون، ومراكز صنع القرار الأميركي ومنها وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية. ومشروع الخارطة تقسيم السودان إلى دول بتسميات مناطقية دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وتسميات إثنية لشعوب البجا شرقاً والنوبيين في الصحراء جنوب مصر وشرق ليبيا، وتبقى ولاية الخرطوم وما يحيط بها دولة مستقلة.
وتصميم خارطة تقسيم السودان للأمريكي برناردو لويس، هي ذات ما تناولته التقارير والدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة أكسفورد 2008م سمنار حول مشكلة دارفور، بإستعراض مشروع خريطة بعنوان خارطة أفريقيا الجديدة New Map of Africa، ومدعواً من جامعة أكسفورد حضر ذلك السنمار الفريق شرطة/ الطيب عبدالرحمن مختار بصفته الشخصية أحد مدراء شرطة ولايات دارفور، صحيفة الراكوبه الإلكترونية إصدارة 06/09/ 2015م تناولت بالنشر والتفصيل إفادات الفريق شرطة/ الطيب عبدالرحمن مختار، ومقالة بعنوان إختطاف السودان بأيدي أبنائه بتاريخ 28/04/2023م نقلته موقع الخليل نيوز الإلكترونية بتاريخ 29/04/2023م. وأن إستراتيجية وخطط التنفيذ لخارطة مشروع التقسيم للسودان، بحسب مسئول المخابرات الأمريكية البروفيسور/ ماكس مانوارينج وصحيفة Small War Journal بتاريخ 12/01/2018م، وموقع الخليل نيوز الإلكترونية بتاريخ 29/04/2023م، آليات أدواته، هو إستراتيجيات حرب الجيل الرابع الصامته الناعمة القاتلة والمدمرة لمواطني الدولة الركن الشخصي للدولة، وذلك بإستخدام المواطنين الفاعلين المؤثرين لذات الدولة في التنفيذ، وشواهده على أرض الواقع فصل جنوب السودان عن شماله. وكذلك إتباع الأسلوب الناعم المؤسسي دولياً(هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الثانونية التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية)، بالترويج لشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، وما إلى ذلك من شعارات العدالة الإجتماعية وفقاً للنموذج الأوربي والأمريكي، وفي الأمر تفصيل، نحاول أن نجد له مساحة حديث.

فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
(المحامي)
05/09/2023م

التعليقات مغلقة.