الايام نيوز
الايام نيوز

أ.د عبدالاله عبداللطيف محمد حامد يكتب الانتماء العقدي للدستور

المقال الثالث……. الانتماء العقدي للدستور……………
البشرية في تاريخها الممتد بحقب الزمان تهبط أحيانا إلى الدرك السحيق والدنايا من القيم لتنظيم حياتها، فترى الأخلاق الحميدة عندها منعدمة، والسجايا الفاضلة لديها مذمومة، والقيم العليا أبوابها مسدودة، وحياض الحق فيها مستباحة، وموازين القسط فيها معتلة، تسير بلا هدى وتمشي مكبة على وجهها، لا تعرف دينا منزلا، ولا حقا لازما ولا عدلا قائما، تقودها رياح الأهواء نحو المادية المطلقة أحيانا، وتميل بها إلى النفعية المجردة أزمانا،وتسوقها صوب جدلية الحياة العبثية وفلسفة ماوراء الطبيعة حينا. بعضها منسوب لقرائح الفلاسفة عبر التاريخ وبعضها تغذيه الأساطير وخيالات وهمية مقدسة، يزينها للشعوب أفاكون مردوا على النفاق وتسلقوا بلاط الأباطرة والأكاسرة الجبارين ، وبعضها مجرب على واقع بعض الشعوب يصيب أحيانا ويخيب دوما. وقدامتلأت بكل ذلك ومثيلاته من زخرفات الدجالين وتلبيسات النفعيين رفوف المكتبات والدوريات العلمية والإعلام بكل صنوفه وأشكاله وألوانه، برغم أن هذه النظريات منقطعة الصلة عن المعبود الحاكم الحق جل جلاله.

فقد كانت ولا تزال تقدس الباطل وتعظمه، وتسفه الحق وتبغضه، فأذاقت الشعوب بتطبيقها ألوان العذاب وسامتهم أسوأ أنواع الظلم، وأذلت المفكرين ونبهاء مجتمعاتهم فأخرست ألسنتهم وأقلامهم علوا وقهرا، وشلت أيدي العدالة وقزمت أدوارها، ووأدت الحرية وألقت بها في متاحف التاريخ، ووطنت للجبرية الممقوتة والملك العضوض وحكم الفرد أو حكم الرأي الأحادي. ترتب على ذلك اختلال موازين القسط عالميا ومن خلال دساتير وتشريعات الدول مما أدى إلى جعل العدل حارسا أو بوابا لدى السلاطين الجبابرة، وأحيانا كثيرة لذوي الحظوة المقربين في بعض المجتمعات، كما أنها قننت أو غضت الطرف عمدا عن ضرورة إمتداد أذرع العدالة ومبادئها للدول والمجتمعات الأخرى، مما أدى إلى اشتعال الحروب النفعية لهذه الدول وإبادة ملايين البشر دون رحمة أو حتى مجرد الإحساس ببشرية من طالهم المنع من حقهم في الحياة .فالتاريخ مليئ بالظلم والبربرية والإنتقام وتجريف الحقوق الأساسية للشعوب في الوقت الذي تدعي فيه أكثر المجتمعات والدول التزامها بالمبادئ الكلية التي تحمي هذه الحقوق، وأن دساتيرها قد أقرتها دوما، وأيدتها المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، إلا أنها نزعت نحو قمع الشعوب الحرة، خاصة التي ترى أن هذه الحقوق مباديء كلية يجب أن تتساوى فيها كل المجتمعات في العالم، وبخاصة إذا ارتبطت هذه المباديء بعقيدتها أو مرجعيتها الفكرية التي تتعارض مع قيم ومصالح دول الاستكبار وأذرعها العميلة لدى الشعوب الحرة.

فأصبح الصراع محتدما بين مؤيدي المباديء المستقاة من عقيدة هذه الشعوب والتي تجد تأييدا كاسحا ومطلقا في رحاب اصطراع الأفكار التي تؤمن بها وترى أنها تمثل حياتها ومنهجها في الحياة وبين المنهج أو المباديء المستوردة التي يتبناها دوما العملاء المناهضون لأصول وقيم ومبادئ مجتمعاتهم… يحدث هذا في بلاد العالم الثالث وخاصة البلاد الإسلامية التي تعتز شعوبها بدينها الخاتم وما قرره من مباديء كلية مستمدة منه تمثل دستورها الذي لن يتحقق الاستقرار أبدا في حال تغييبه أو المساس بقواعده أو أصله الذي يستمد منه مشروعيته وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم …

ولما كان الدستور عقدا اجتماعيا بين أفراد المجتمع جميعا وبينهم وبين الدولة، والأصل فيه أنه يمثل رغبة المجتمع ومثله، وأنه معبر عن هويته وقيمه العليا ومرجعيته الفكرية التي يرى أنها فوق كل إعتبار، وأسمي على كل واجب، وأقوى من كل رابط، وأغلى من كل ثمين، وأعز من كل قاعدة، وأولى من كل قانون، بل هو مصدره ومشروعية وجوده وسبب استمراره واحترامه، وأجل من كل قيمة في الأمة، ورافد كل خير ودافع كل شر، وسر كل إستقرار ومانع كل اضطراب، وضابط كل تشريع وجامع كل كلية، وبوصلة كل فرعية،فإن فرضية قدسية الدستور واستقراره في البلاد الإسلامية وبلادنا مرتبط بالكلية في استقاء مبادئه من الشرع الحنيف فقط، والذي تضمنت أحكامه من المباديء والضمانات الدستورية ما لايربو إليه ولا يماثله دستور أرضى…..
أ.د عبدالاله عبداللطيف محمد حامد المحامي ٢٠٢٣/٩/٢٦ م

التعليقات مغلقة.