دولة القانون الحل الألمعي [1] بقلم د. عبد العظيم حسن المحامي
دولة القانون
الحل الألمعي [1]
عندما قررت أن أكتب وأنشر هذه المقالات تحت عنوان دولة القانون هدفت بالأساس لتوثيق تاريخ القانون السوداني لأن التجربة، بكل أسف، غير مكتوبة ومعظمها مكنون بصدور العاملين في الحقل. من جانب آخر، ممارسة القانون أكاديمياً وعملياً رسخت قناعتي بارتباط القانون بكل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. تزامن مع بداية هذه الكتابات الانهيار الجارف للوطن الأمر الذي أضطرني لأن تحتل الموضوعات الدستورية والسياسية الحيز الأكبر سيما وأنني لم أكن مجرد متابع أو معلق وإنما فاعل وشاهد على كثير من تلك التطورات. لهذا السبب لا يفوتني تحذير القارئ بعدم أخذ ما يرد من آرائي المبذولة مسلمات.
أخطر قرار اتخذته وكتبت عنه مقابلتي البرهان ضمن وفد الآلية الوطنية للتحول الديمقراطي ووقف الحرب. المتابعون للقضايا التي توليتها ضد العهد البائد أو إبان مسيرة الثورة، وعلى وجه التحديد الكتابات المنشورة عن البرهان وحميدتي استغربوا وجودي ضمن وفد الآلية. رؤيتي المتواضعة انطلقت من أن فقهاء القانون يصنفون الحرب المثال النموذجي للقوة القاهرة. أي أن ظروف الحرب تتطلب إعمال المبدأ المعروف بالضرورات تبيح المحظورات. القانونيون والمهنيون والسياسيون على السواء لا يجوز أن تحول بينهم والقرارات التاريخية العواطف فتتعطل النصوص وتظل جامدة بلا معني. يجدر بالذكر أن أكثر جهتين سياسيتين هاجموا وفد الآلية عند مقابلتهم البرهان مخذلين ومخونين هم المجلس المركزي للحرية والتغيير وفلول النظام البائد. بالطبع سلوك الأخيرين ومحاولتهم النيل من الخطوة لم يكن أمراً مستغرباً. المثير للدهشة أن الهجوم صدر وبصورة منظمة عن قواعد المجلس المركزي للحرية والتغيير. الأكثر غرابة أنه وبعد حوالي الشهرين من خطوة الآلية خاطب المجلس المركزي للحرية والتغيير البرهان طالباً مقابلته لتطوير عمل مشترك لوقف الحرب والتحول الديمقراطي. على ذات النسق، أمس الأول قابلت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حميدتي معلنة أنها بصدد مقابلة البرهان. بالأمس أصدر الحزب الشيوعي مباركته المبدئية لخطوة تقدم مقابلة قائد قوات الدعم السريع بوصفها ضرورة لوقف الحرب. يجدر بالذكر أن الحزب الشيوعي لم يصدر عنه بعد أي موقف عن تفاصيل اتفاق حميدتي – حمدوك. كذا وحتى كتابة هذا المقال لم أقف بعد على أي بيان رسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل ولكن بعض قياداته علقت بأن تقدم وإن جاز لها مقابلة حميدتي لكنها ما كان لها أن توقع معه اتفاقاً سياسياً. هيئة محامو دارفور لم تر من حرج في مقابلة أمراء الحرب لكنها لم تؤيد توقيع اتفاق سياسي بوصفه يشرعن تدخل العسكر في السلطة.
الاستهجان والمواقف الشرسة التي مارستها بعض القوى السياسية ضد الآلية لم تستحسنها فطرة المواطن العادي التي ظلت دوماً سليمة ومدركة أن الحروب لا تتوقف إلا بالشجاعة وبذل التضحيات والمهر الذي يوازي دم وشرف وحقوق الضحايا الطاهرة التي ظلت تسقي تراب هذا الوطن. مهما يكن من أمر، وبعد كل هذا التأخير في النزول لأولى مراحل وقف الحرب والمتمثلة في ضرورة جلوس أصحاب المصلحة، فإن هذه الخطوة لوحدها لن تنتج حلاً ما لم يتوافر شرطان أساسيان. الشرط الأول: الإرادة الحقيقية لوقف الحرب من جهة قائدي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. هذه الإرداة لن تتجلى وسيظلا يناوران ما لم يبرز رأي عام يطلب صراحة من الدعم السريع أن يخلي منازل المواطين ومقار مصالحهم. فبغض النظر عن من أطلق الطلقة الأولى فليس هناك ما يبيح استمرار توجيه الآلة العسكرية ضد المواطن. الشرط الثاني: تحضير صيغة حل مرنة تتضمن الموجهات الموضوعية والإجرائية لوقف الحرب. هذه الصيغة أو الورقة المفتاحية يجوز تسميتها بالحل السحري أو الألمعي لتكون هذه الحرب آخر النزاعات المسلحة. يوم الغد بإذن الله سنشارك بطرح رؤيتنا للحل الألمعي، وبالله التوفيق.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
4 ديسمبر 2024
التعليقات مغلقة.