الايام نيوز
الايام نيوز

دولة القانون فولكر بيريتس

دولة القانون
فولكر بيريتس
أثار طلب السودان اعتبار المبعوث الأممي فولكر بيريتس شخصاً غير مرغوب فيه تساؤلاً جدياً عن مدى حق الدول التماس القاعدة وتطبيقها على مبعوثي الأمم المتحدة؟ فالنقطة الجوهرية أو بالأصح السؤال الجوهري الذي يطرحه مبدأ الشخص غير المرغوب فيه: هل يسري المبدأ على ممثلي المنظمات الدولية؟ بعبارة أخرى، هل قاعدة الشخص غير المرغوب فيه تنطبق على الدول والمنظمات الدولية على السواء؟ أم حصراً على الدول دوناً عن المنظمات الدولية؟ من الأسئلة ذات الصلة والتي ستساعد على الوصول لإجابة قانونية سليمة على تلك التساؤلات: هل منح القانون الدولي الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها صفة الشخصية الاعتبارية القانونية، وبالتالي اعتبارها شخصاً من أشخاص القانون؟ تساؤل منطقي آخر تثيره وقائع القضية: هل القانون الدولي يفرّق بين الدول كأشخاص قانونية وبين من يمثلون تلك الدول لأغراض تطبيق قاعدة الشخص غير المرغوب فيه؟
الواضح أن هذه القضية طرحت تساؤلات منطقية أو بالأصح فرضيات ضرورية للتفرقة بين الدول والمنظمات كأفراد أمام القانون من جانب، وبين الأشخاص الطبيعيين الممثلين لتلك الجهات الاعتبارية من الجانب الآخر. على صعيد متصل فإن تلك الأسئلة تعيد الجدل عن مدى حق الدول في أن تمتنع عن السماح لدخول أراضيها من لا ترغب فيهم بحسبان أن القانون الدولي يفتقر لآليات تنفيذ مقرراته لعدم الاعتراف به أصلاً كقانون. مهما يكن من أمر، بنظري المتواضع أن القانون الدولي الذي يقرر عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام الدول لبعضها البعض يعطي قدسية أكثر لهذا المبدا ليسود ويعلو على أي قاعدة أخرى بما فيها سلطة الدول في تحديد الأشخاص غير مرغوب فيهم بوصف ذلك سلطة تقديرية مطلقة يجب أن يتركها القانون للدول. بالتالي فإن مبدأ الشخص غير المرغوب فيه يصنّف كنتيجة طبيعية لمبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. في ذات السياق إعمال مبدأ الشخص غير المرغوب فيه يستوجب التفرقة بين الشخص أو المبعوث وبين الدولة أو المنظمة التي تبتعثه. فرفض الممثل لا يعني وبالضرورة رفض التعامل مع الدولة أو المنظمة التي ينتمي لها. ولعل هذا عين التطبيق السليم لحق الدول في سيادتها الوطنية وعدم التدخل في شؤونها دون المساس بمبدأ الاحترام المتبادل بين الدول.
وجهة النظر المشار إليها بالطبع لا تتفق والتفسير الذي تبنته الأمم المتحدة أو بالأصح ممثل الأمم المتحدة للمادة 9 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 واستدلاله بحالتي أو سابقتي الصومال واثيوبيا. فالثابت أن ممثل الأمين العام للامم المتحدة لا يملك سلطة تفسير القانون الدولي خاصة إذا وضعنا بالاعتبار أن هذا التفسير لم يحالفه التوفيق إذ إن القانون الدولي لم يضع أو ينص على قواعد مستقلة للأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها بخلاف اتفاقية فيينا المشار إليها وبالتالي عدم جواز استثناء ممثلي الأمم المتحدة كمنظمة دولية من أن تنطبق عليهم قاعدة الأشخاص غير المرغوب فيهم كدبلوماسيين. يساند وجهة النظر التي أتبناها الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية في العام 1949 بموجب الطلب الصادر لها عن الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر في حق المنظمات الدولية في رفع الدعاوى ضد الدول عن مسؤولياتها بموجب القانون الدولي. يجدر بالذكر أن تفسير محكمة العدل الدولية تبنى أن الأمم المتحدة ومنظماتها تعتبر شخصاً من أشخاص القانون الدولي. في ضوء هذا التفسير فالدول ليست وحدها التي تعتبر من أشخاص القانون وإنما حتى الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها. أي أن ما ينطبق على مبعوثي الدول يجوز أن ينطبق على مبعوثي الأمم المتحدة ومنظماتها. (لمزيد عن تفاصبل الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية يرجى مراجعة بحث بعنوان “الشخصية القانونية للمنظمات الدولية”، والمنشور بمجلة حماة الحق، المحامي الأردني).
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
12 يونيو 2023

التعليقات مغلقة.