د. عبد العظيم حسن يكتب دولة القانون حكومة الطوارئ [1]
دولة القانون
حكومة الطوارئ [1]
هدف أي قانون تحقيق الاستقرار ومنع الفوضى. بذات الوقت، وكنتيجة لمشورة خاطئة قد يصبح القانون وبالاً وسبباً لمزيد من الفوضى. أبرز تجليات فوضى القانون فشله تقديم الحلول الموضوعية في التوقيت المناسب. هذه الفذلكة عن مفهوم القانون ما هي إلا مقدمة لسؤال أصعب ارتبط بأب القوانين أو القانون الأعلى أو ما يعرف بالمشروعية الدستورية لحل الأزمات السياسية. فالدستور في الأصل لا يستمد علوه إلا من إجماع الأمة لكونه المرجعية التي لا يجوز لأي تشريع أو سلطة أو أي جهاز من أجهزة الدولة أن تتجاوزه أو تخرج عن مقتضياته الصريحة أو حتى الضمنية. الفشل في تقديم صيغة دستورية عادلة للأزمة السودانية أدى لهذه الحرب المتجلية في الفوضى العارمة وغير المسبوقة.
من أخطر الأحوال التي جعلت القانونيين مضطرين للخروج عن المألوف وقابلين بتعطيل الدستور ذاته نشوء ما يعرف بحالة الطوارئ. فالأخيرة أي الطوارئ هي حالة تستحيل معها القدرة على السيطرة على مجريات الأمور لظرف لا يد للإنسان فيه كالزلالزل والبراكين والأوبئة والفيضانات أو بسبب قد يعود للإنسان كالحروب والمجاعات والحرائق والتمرد والصراعات المسلحة أو حتى الانهيارات الاقتصادية. ولكي تبلغ الحالة مرحلة الطوارئ أو ما يصطلح لها قانوناً بالقوة القاهرة، سواء بسبب الإنسان أو بدونه، يجب أن يكون الظرف الملجئ عاماً ومنطبقاً على الكافة. فإذا كانت الحالة محدودة الأثر أو في نطاق مكاني محدود فإن حالة الطوارئ لا تمتد لأكثر من المنطقة الجغرافية التي تأثرت بالكارثة التي أوجدتها وبالتالي تُقدر الضرورة بقدرها. من النتائج الموضوعية المترتبة على حالات الطوارئ جواز عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية. أي أن القانون يرفع الحرج، ولا يعد إخلالاً أو خروجاً تعطيل العمل بأي عقد بما في ذلك العقد الاجتماعي المقرر بالدستور. تأسيساً على هذا المبدأ تنص كل الدساتير على أن الطوارئ من الحالات التي تجيز تعليق العمل بوثيقة الحقوق الأساسية والتجريد من الحريات العامة وإعلان حظر التجوال وما في حكمه من تدابير ما عدا تقييد الحقوق فوق الدستورية كالحق في الحياة وعدم التمييز أو الاسترقاق والحق في التقاضي والمحاكمة العادلة. ولأن حالة الطوارئ تهدر أو تقيّد من ممارسة المواطنيين لبعض حقوقهم الدستورية، فإعلانها يجب أن يكون محدود من حيث التوقيت والشروط بل والرقابة وذلك حتى لا تتجاوز الغرض الذي من أجله تم تطبيقها. بالطبع، ولأن الظرف الذي يؤدي لحالة الطوارئ يأتي فجأة ومن غير سابق إنذار تنص معظم الدساتير على أن سلطة الحكومة في إعلان حالة الطوارئ يجب أن تخضع لرقابة البرلمان ولو بعد إعلانها. بعض الآراء القانونية بالمحكمة العليا السودانية في قضية خالد محمد خير ضد السلطة التشريعية ذهب للقول بضرورة أن يراقب القضاء سلطان البرلمان في فرض حالة الطوارئ وشروطها وما إذا كانت الحالة بالفعل تستلزم إعلان الطوارئ.
معظم الدساتير تخول الحكومة أو السلطة التنفيذية حق فرض حالة الطوارئ، غير أن السؤال الدستوري الذي يطرح نفسه: كيف يتم إعلان حالة الطوارئ في حال عدم وجود حكومة بسبب عدم تشكيلها أو غيابها لأي سبب من الأسباب؟ خير مثال لهذه الحالة الحرب الدائرة الآن بالسودان. فهذه الحرب في حد ذاتها مثال نموذجي لإعمال أو فرض حالة الطوارئ. ففي السودان، وبسبب الانقلاب الذي سبق نشوء الحرب لم تكن هناك حكومة معترف بها دولياً. فبسبب كل تلك الظروف وتداعيات الحرب وما ترتب عليها من انعدام الأمن يتعين نطرح السؤال عن الوضع الدستوري الأنسب للخروج من الأزمة السودانية. إذ هل الحرب القائمة تستدعي إعلان الطوارئ؟ وإذا كان إعلان الطوارئ ضرورياً، ما هي الجهة الأنسب في أن تتبنى وتعلن هذه الحالة؟ هل يجوز أن يعلنها الجيش أم الشعب؟ وإذا كان الخيار الأنسب إعلان حالة الطوارئ كمطلب شعبي ما هو المطلوب من حملة السلاح في تأمين المطلب الشعبي؟ بالطبع لا مجال لإيجاد أي حل بخلاف أن تكون الرغبة في إعلان حالة الطوارئ غير المطلب الشعبي كضرورة للشرعية والمشروعية معاً، وذلك على الوجه الآتي:
أولاً: تعبيراً عن رأي الغالبية العظمى من السودانيين المتضررين من استمرار هذه الحرب وبعد عدة مشاورات ونقاشات جدية تداعى نفر كريم من أبناء وبنات السودان الخُلص ممن يأنسون بأنفسهم الكفاءة والأمانة والنزاهة والمصداقية والقدرة على تحمل المسؤولية في مثل هذه الظرف التاريخي، وبعد أن تم ترشيحهم وتزكيتهم ممن هم ليسوا بأقل منهم كفاءة ومصداقية وافق الآتية أسماؤهم على تولي مسؤولية حكومة طوارئ لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد لذات الفترة ولمرة واحدة.
ثانياً: التزمت المجموعة المشار إليها بأولاً أعلاه بالتواصل مع القوى السياسية والثورية بالإضافة إلى طرفي الحرب للحصول على مباركة قيام حكومة طوارئ.
ثالثاً: تتخذ حكومة الطوارئ من إحدى مدن السودان الآمنة مركزاً للاضطلاع بمهامها معلنة أن دورها الرئيس اتخاذ كافة التدابير التي تضمن وقف الحرب وعودة الأطراف المتحاربة لثكناتها توطئة لعودة الحياة لطبيعتها.
رابعاُ : بحكم الحصول على التوافق الوطني والشعبي تسعى حكومة الطوارئ على الاعتراف بها إقليمياً ودولياً.
خامساً: بالتنسيق مع الأطراف المتحاربة والجماهير المساندة والقوات النظامية الأخرى تتولى حكومة الطوارئ واجب بسط الأمن وتنظيم عودة المواطنين والمهجرين لمناطقهم.
سادساً: بالتشاور مع كافة قوى ثورة ديسمبر المجيدة تتولى حكومة الطوارئ طرح ميثاق سياسي ودستوري لفترة انتقالية لا تتجاوز عامين يتم بعدها الدعوة لانتخابات حرة ونزيهة.
سابعاً: تمارس حكومة الطوارئ سلطة تعيين المسؤولين في أجهزة الدولة طبقاً لمعيار الكفاءة والنزاهة.
ثامناً: تصدر حكومة الطوارئ من القوانين والأوامر ما يكفي لتنفيذ مهامها الطارئة وذلك بما لا يخالف قواعد العدالة والإنصاف والوجدان السليم.
تاسعاً: لا يجوز لأعضاء حكومة الطوارئ أن يشغلوا أي منصب دستوري سواء تشريعي أو تنفيذي بعد انقضاء أجل حكومة الطوارئ.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
24 يونيو 2023
التعليقات مغلقة.