تصارع الأخلاق في مسرح عمليات الدعم السريع تشكل جريمة حرابة مكتملة الاركان بقلم د. رجاء عبد الله الزبير
تصارع الاخلاق في مسرح عمليات الدعم السريع تشكل جريمة حرابة مكتملة الاركان
الاصل أن يعيش الناس في إستقرار آمنيين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم والتي تشكل اهم مطالب الحياة ،وقد حرص الدين الاسلامي من خلال نصوص الكتاب والسنة على ضرورة تحقيق المقاصد الكلية الخمس وهي الحفاظ على الدين والنفس والعرض والعقل والمال، ونبذ القتال وسفك الدماء بغية أن يعيش المواطن حياة طيبة كريمة داخل دولته.
ومهمة الدولة الحفاظ على الأمن والوحدة الوطنية وسلامة الأراضي وتحقيق الحماية الداخلية والخارجية للبلاد من كافة المخاطر التي قد تتعرض لها وقت السلم والحرب و إتخاذ التدابير التى من شأنها ضمان سلامة السكان المدنيين في جميع الاوقات.
وبالرغم من تحريم الإعتداء على النفس والعرض والمال في جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ، إلا أن قوات الدعم السريع المتمردة شنت هجوماً عسكرياً واسع النطاق في أبريل من العام الماضي بالعاصمة القومية الخرطوم وتمددت الى ولاية الجزيرة،وولايات دارفور،وكردفان ،أخرجوا غالبية السكان من منازلهم بشهر السلاح ورفعه في وجه الناس ظلماً وعدواناً ،مما أدى الى ترويع السكان الآمنين المطمئنين،الذين أُجبروا على الفرار مراراً من منازلهم،وسفكت دمائهم ،وأُنتهكت أعراضِهم، وغُصبت أموالهم قهراً ومجاهرة ، ومنعوا من طلب الإستغاثة لإستيلائهم على معظم المناطق،فضلاً عن إستخدامهم للوسائل الحديثة لشن هجمات من شأنها إضعاف قدرات القوات المسلحة نفسياً،وهي الأرهاب الإلكتروني عبر شبكات الإنترنت دون إعتبار لمدى تاثيرها على المدنيين.
والجدير بالذكر أن تكييف الإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والعرفي الصادرة من أفراد الدعم السريع المتمردة تُثير شواغل قانونية من الناحية الفقهية بشأن توصيفهم،هل نصنفهم بالبغاة أم قطاع الطرق، فالبغاة جماعة من المؤمنين لهم شوكة ومنعة خرجوا عن طاعة الإمام العادل بغير حق بتأويل غير قطعي وصاروا عصاة ، وأجاز الاسلام أولاً الصلح بينهم فإن إستحال وجب رد عدوانهم بقتالهم إمتثالاً لقوله الحق سبحانه وتعالى:(وإن طائفتان مِن المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيءً إلى أمرِ الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يُحب المقسطين)
وقد ثبت من النص أعلاه بأن أهل البغي لا يُكفرون مما يدل على إيمانهم لذلك لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتالهم إبتداءً وإنما أوجب إنذارهم وإعذارهم ثم قتالهم إذا أصروا على البغي،لكن هؤلاء المتمردون من أفراد الدعم السريع سعوا في الارض فساداً بشهر سلاحهم بالقتل وأخذ أموال الناس بالقوة متحدين الدين والاخلاق بإرتكابهم جرائم كبرى محرمة بالقران والسنة لذلك لا يمكن تصنيفهم بالبغاة.
والحرابة هي خروج طائفة مسلحة للناس سواء في الصحراء أو في المدن ،أو القرى أو وسائل النقل ويكون الناس في وضع يتعذر معه طلب الإستغاثة ،بهدف إيجاد حالة من الفزع والرعب بين الناس، وسفك دمائهم وإنتهاك أعراضهم،وغصب أموالهم قهراً ومجاهرة ،سواء كان تهديداً بالسلاح أو زرعاً للمتفجرات أو نسفاً للمباني،وقد وصف الله سبحانه وتعالى كل من يعمل على إخافة سبيل المسلمين أو أخذ أموالهم، بالمحاربون لله ورسوله والساعون في الارض فساداً.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى الحرابة في القران والسنة ،كما جاء في قوله تعالى :(إنما جزاءُ الذين يُحاربون الله ورسُولهُ ويسعون في الارض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجُلُهُم من خلاف أو يُنفوا من الارض ذلك لهم خِزي في الدُنيا ولهُم في الاخرة عذاب عظيم)
وقد نص القانون الجنائي السوداني على تجريم الحرابة بإعتبارها من جرائم الحدود في أحكام (المادة/167)،حيث يعد مرتكباً جريمة الحرابة ،من يرهب العامة أو يقطع الطريق بقصد إرتكاب جريمة على الجسم أو العرض أو المال شريطة أن يقع الفعل خارج العمران أو داخل العمران مع تعذر الغوث، وبالتالي فإن جريمة الحرابة يمكن إرتكابها داخل المدن بشرط تعذر طلب الإستغاثة ،وقد ثبت بأن أفراد الدعم السريع قد شنوا هجوماً وأسع النطاق وفرضوا سيطرتهم على معظم أجزاء العاصمة القومية وولاية الجزيرة وولايات دارفور وكردفان ،وأدخلوا الرعب في نفوس السكان ومنعوهم من طلب النجدة ،بدافع الإعتداء على السكان المدنيين بالقتل وأخذ الاموال،وإنتهاك الاعراض.
لذا يجوز إدانة أفراد الدعم السريع بموجب المادة(167 ) من القانون الجنائي السوداني، من بين جرائم أخرى يمكن نسبتها لهذه القوات المتمردة على مستوى التشريعات الوطنية،منها إثارة الحرب ضد الدولة عسكرياً بموجب (المادة/50)،وتجنيدهم للاطفال،والإستغلال الجنسي للفتيات مما تعد جرائم يعاقب عليها قانون مكافحة الإتجار بالبشر لسنة 2014،تعديل 2021،وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية لسنة 2018،تعديل 2020،لإستخدامهم شبكات الإنترنت لبث الرعب وسط المدنيين ،إضافة لمخالفتهم أحكام قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001.
بالإضافة لإرتكابهم أفعال منافية لقوانين وأعراف الحرب في مواجهة الاشخاص المدنيين تتمثل في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم الخاصة بالحرب المنصوص عليها في الباب الثامن عشر من القانون الجنائي،وفي إتفاقيات جنيف الاربع لسنة 1949 التي صادق عليها السودان منذ 1957، وإتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1949،التي صادق عليها السودان منذ 2003.
وكل دولة مسؤولة عن إتخاذ إجراءات حاسمة للوقاية على المستوى الداخلي حماية لسكانها من الخطر، ولا سبيل لقهر وصد أفراد الدعم السريع المتمردة إلا بتشجيع كل من يستطيع حمل السلاح لمساندة ودعم القوات المسلحة للدفاع عن الوطن،وقد أجازت إتفاقية جنيف الثالثة للقوات المسلحة النظامية في الدولة أن تضم إليها وحدات متطوعة وتصبح جزءاً من المنظومة العسكرية ،كما أجاز قانون خدمة الإحتياط لسنة 2013، في المادة(12) للقوات المسلحة إستدعاء الافراد عند إعلان حالة الحرب.
ويتعين علينا التصرف بمسؤولية،وان لا نقف موقف الساكت المتفرج في هذا الوقت الحرج الذي تمر به البلاد، وإتخاذ التدابير الكفيلة لتعزيز مشاركة أفراد المجتمع لحماية أروحنا وممتلكاتنا وسيادتنا الوطنية .
وفي الختام نسال الله ان يجنب أهل السودان مرارة الظالمين ويجعلهم من الآمنيين.
والله ولي التوفيق
31/مايو/2024
د.رجاء عبدالله الزبير
التعليقات مغلقة.