د. عبد العظيم حسن يكتب دولة القانون حكومة الطوارئ [2]
دولة القانون
حكومة الطوارئ [2]
حجم الدمار الذي خلفته المعارك التي دارت بمدن السودان من الخرطوم شرقاً وحتى الجنينة غرباً لا يستدعي حصراً التوافق الشعبي العريض وإنما تكليف شخصيات استثنائية لتتولى إعادة الإعمار وبداية الاستقرار. فالطوارئ كما هي حالة استثنائية فمن يضطلع بمهامها يجب أن يكون استثنائي كذلك. فالإعمار خلال الفترة القادمة لن تتوافر له حتى الوسائل والإمكانيات الشحيحة التي كانت متاحة وإنما وضع لا يجد فيه القائمون على الأمر سوى إرادتهم وذهنهم الخلاق. لمواجهة هذه الظروف فإن حكومة الطوارئ تتطلب ومنذ الآن التحضيرات الآتية:
أولاً: تداعي كل أصحاب مهنة باختيار لجان تحضيرية لتشرع في قيام نقابات مهنية حقيقية. فقواعد المهنيين وهي تختار قياداتها يجب أن تراعي فيهم عدة عناصر: العنصر الأول: المعرفة. العنصر الثاني: الحكمة والقدرة على التواصل. العنصر الثالث: قوة التحمل. فمن ليس خبير في مجاله لا يستطيع أن يسدي الحلول، ومن لا يملك نواصي الحكمة والتواصل لن يحسن إدارة الفرص وامتصاص التفكير والمواقف السلبية. أما قوة التحمل فلا يملكها إلا الشباب والشابات الذين تتطلبهم طبيعة المرحلة الشاقة.
ثانياُ: الرؤية لإعادة إعمار ما خلفته الحرب لدولة كانت تعوزها أدنى الأساسيات يتطلب أن تكون عملية البناء شاملة لكل مناحي الحياة. هذا الشمول لا يمكن أن يضطلع به جسم مهني منفرد وإنما باجتماع وتفاكر المهنيون كافة واضعين من الخطط ما سيصنع الفرق الملموس.
ثالثاً: حكومة الطوارئ لن يُكتب لها النجاح إذا لم تتخذ من المناطق التي كانت أرضاً للمعركة نقطة انطلاق. فلا الحلول المعلبة ولا الإدارة من البعد ستجدي. صحيح أن هذه الحرب قد تكون فرصة لتغيير عاصمة السودان من الخرطوم لمدينة كالأبيض مثلاً إلا أن المجمع عليه أن حكومة الطوارئ لا يجوز أن تكون بالمنفى أو في مدينة بعيدة كبورسودان. بعبارة أخرى إعادة الإعمار يجب أن تستفيد من أن يكون في اختيار عاصمة سياسية جديدة خطوة في تطبيق الفدرالية بوصفها واحدة من متطلبات التغيير المناسبة لدولة مترامية الأطراف كالسودان.
رابعاً: مهما كانت الإمكانيات الاستثنائية لمن يتولوا دفة حكومة الطوارئ إلا أن نجاح هولاء الاستثنائيون يكمن في قدرتهم على اكتشاف وإشراك من هم بقامتهم في أقاليم السودان المختلفة.
خامساً: مهما كانت الدعاوى التي أدت للحرب فإن تجاوزها بواسطة القوات المسلحة لا يبيح لها أن تتعامل بعدها بغرور المنتصر بقدرما فرصة لتسليم السلطة للشعب. فهذه الحرب كشفت لقواتنا الشعب المسلحة بأنها ليست بأقل حاجة للتغيير الجوهري سواء في الشكل أو المضمون. جاء الوقت لتكون قوات الشعب المسلحة بالفعل حامية حقيقية لأولى مراحل بناء السودان الجديد وليست متسلطة على تقدمه.
د. عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
26 يونيو 2023
التعليقات مغلقة.