عثمان جلال يكتب/المآلات المحلية والاقليمية والدولية الكارثية لسيطرة آل دقلو على السودان
عثمان جلال يكتب/
المآلات المحلية والاقليمية والدولية الكارثية لسيطرة آل دقلو على السودان
(المعركة وجودية وصفرية فهناك خيار واحد لمليشيا آل دقلو وهو الحرب وقتل الشعب السوداني حتى اقامة مملكة آل دقلو الدموية . وهناك خيار واحد للامة السودانية وهو الاصطفاف مع الجيش السوداني بالوعي والمال والرجال والدم والدعاء حتى تصفية المليشيا الهمجية حد الفناء والاجتثات من الجذور)
(١).
في سياق دورات الصعود والتقدم، والانحطاط للدول والمجتمعات أورد فلاسفة الفكر السياسي ان اكبر تهديد في هذه الدورات التاريخية هو استقواء الرئيس او الامير بالمرتزقة لحراسة سلطته الشخصية وذلك بعد انفضاض اهل الولاء العقيدي وتقزم الدولة في ولاءات الغنيمة والقبيلة بتعبير الدكتور محمد عابد الجابري. فالمرتزقة جماعة مجردة من الوازع ومنظومة القيم الاخلاقية الراسخة في المجتمع ،وهكذا انتهك الانتهازي حميدتي هذه الاعراف بدءا مع زعيمه الشيخ موسى هلال فاعتقله وهو في صيوان عزاء والدته وقتل شقيقه، ووأد قيم الوفاء مع الرئيس السابق البشير الذي صنعه من بين فرث ودم وظل يباهي به ( حميدتي حمايتي) وانقلب على قحت المجلس المركزي في قرارات اكتوبر ٢٠٢١م . ثم غدر بالفريق البرهان الذي تعهده بالرعاية والسقاية منذ احداث دارفور ، ورفعه الى منصب الرجل الثاني في المؤسسة العسكرية، ومجلس السيادة الانتقالي بعد انتفاضة ديسمبر ٢٠١٨.
ان ثقافة المرتزق هي العنف والشر المحض اذا نزع لاستلام الامارة والحكم ، وهكذا كان سلوك الانتهازي حميدتي فبعد انتفاضة ديسمبر تبنى تدليسا شعارات الديمقراطية والدولة المدنية بينما كان يخطط بمكر وخبث لابتلاع الدولة السودانية ضربة لازب، وتشييد كيان الهدم والدم المسمى مملكة الجنيد ووأد قضايا البناء الوطني والتحول الديمقراطي للابد ولذلك فان مشروع ال دقلو اكبر مهدد لانجاز مهام المشروع الوطني الديمقراطي المستدام والوحدة الوطنية.
(٢).
ان المرتزق دينه وشرفه المال والمال فالمال لذلك يعمل على شراء ذمم القيادات والرموز المؤثرة في المجتمع والدولة ، ثم يسعى الى توظيف كل المتناقضات السياسية لتحقيق نزوته في السلطة، وبعد التمكن يبدأ في التحرر من كل الشعارات المثالية من شاكلة الحرية والديمقراطية والعدالة ثم التخلص من كل الحلفاء والمنافسين له حتى في دائرته العشائرية والاسرية الضيقة بذات الادوات القذرة .
هكذا كان السلوك الميكافلي لحميدتي فقد تواصل في البداية مع قيادات التيار الاسلامي الوطني للتحالف معه للانقلاب على الفترة الانتقالية وازاحة الفريق البرهان، وحكومة الدكتور حمدوك ،ولأن التيار الاسلامي يدرك ان التحالف مع البندقية العشائرية المجردة من الاستقامة الاخلاقية ، والرؤية الفكرية والمشروع السياسي سيؤدي الى سلطة استبدادية عشائرية مطلقة ، وحرب الكل ضد الكل وتفكك وانهيار الدولة السودانية رفض الدخول معه في هكذا مغامرة .
عندها قرر الانتهازي حميدتي استغلال فوبيا الاسلاميين لدى المحاور الاقليمية والدولية ونزعة الحقد وروح الانتقام الكامنة في القيادات القزمية لقحت المجلس المركزي، وقدم ذاته لهذا التحالف الشرير في صورة المنقذ من الاسلاميين وايقونة الثورة الديمقراطية ومصدر إلهام الدولة المدنية ، بل وأبعد النجعة في الدجل عندما نصب ذاته زعيما للمهمشين وقضايا الهامش السوداني وهذا محض ابتذال لان بندقية حميدتي صممت ابتداء لقتل انسان الهامش ووأد اشواقه في دولة العدل والحرية والرفاه التي تسع الجميع
(٣).
لأن الانتهازي حميدتي يدرك استحالة انجاز مشروعه العنصري بالتدافع الفكري والسياسي والرافعة الديمقراطية دشن حربه القذرة تكتيكا ضد قيادات الجيش السوداني واوهام الفلول ،رافعا شعارات الديمقراطية المستحيلة، بينما تتجلى اهدافه الاستراتيجية في تفكيك كل ميراث بنية الدولة الوطنية، وفي طليعتها المؤسسة العسكرية، والاحزاب السياسية واقامة مملكة ال دقلو وحراسها بندقية اعراب الشتات من غرب افريقيا واموال محمد بن زايد مع تمكين هذا الاقطاعي من الهيمنة على مواردنا وتحويل السودان حديقة خلفية لآل زايد ثم يعلن الملك حميدتي انضمام السودان الى نادي الدول الملكية في منطقة الخليج العربي. وستكون مملكته تحت حماية قوات درع الجزيرة العربية.
وحتى يستتب الملك المطلق للانتهازي حميدتي سيعمل على التخلص من التيارات الشبابية والطلابية الثورية، والتخلص من كل قيادات القوى السياسية، ورموز الادارة الاهلية والطرق الصوفية ،ثم يتخلص من قيادات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بحشرهم في اكياس النفايات ثم سحلهم كما فعل هولاكو مع العملاء والخونة الذين تعاونوا معه على اسقاط بغداد عاصمة الدولة العباسية.
ثم يبدأ في عمليات التجريف الديمغرافي والعنصري وذلك بإبادة القوميات التاريخية في دارفور واحلال الاعراب مكانهم ويستبدل اسم الديار المتوارثة الى (دار العرب) .وستستبيح المليشيا الهمجية كل المدن والقرى السودانية بيت بيت وستنصب المشانق الى كل الاعراق والاثنيات والقبائل السودانية ، فمملكة ال دقلو العنصرية ترى ان التنوع الاثني والعرقي والثقافي عناصر طمس للنقاء العرقي الماهري الجديد. وستكون العلاقات التعاقدية في مملكة الدم مرتكزة على سيادة أسرة ال دقلو وبقية قطاعات المجتمع محض رقيق وأتباع.
(٤).
ان مشروع ال دقلو يحمل في جيناته ذات الافكار القومية النازية التي اججت النزعات الهوياتية في اوربا ،وأدت الى اشعال الحرب الكونية الثانية بكل مآسيها ومخازيها على الانسانية والطبيعة والاقتصاد، لذلك فان تمكن ال دقلو من السيطرة على الحكم سيؤدي الى تفكيك السودان على اسس هوياتية، وسينزع النازي حميدتي الى تعميم نموذج النقاء العروبي الى دول الجوار المتاخمة الى دارفور ، مما سيؤدي الى اشعال الحروبات الهوياتية والقومية في هذه الدول ذات الهشاشة السياسية والاقتصادية والاثنية، بالتالي ستشتعل كل منطقة غرب افريقيا بالحروب الاهلية وستتكرر مآسي الابادة الجماعية في هذه المنطقة، وكذلك ستتفاقم موجات الهجرة غير الشرعية من غرب وشرق افريقيا الى الشرق الاوسط والدول الاوربية، وستعم حالة الفوضى الخلاقة في منطقة البحيرات والقرن الافريقي بالتالي ستضطرب حركة التجارة العالمية العابرة من هذه المنطقة الحيوية ، خاصة ان الاقتصاد العالمي يعاني من متلازمة الانكماش والركود ، والفجوة الغذائية بسبب الحرب الروسية الاوكرانية.
اما السيناريو الاخطر ان تؤدي حالة الفوضى الخلاقة في السودان والمحيط الافريقي الذي ستمتد اليه الصراعات والحروب الى صناعة دول فاشلة ،وتبيئة جاذبة للتنظيمات الارهابية العالمية ، مما يعني تهديد السلم والامن الاقليمي في مناطق البحر الاحمر ومضيق باب المندب ،والقرن الافريقي،ومصر وليبيا، ودول الخليج العربي، ودول المغرب العربي. ومن ثم عبور النشاط الارهابي الى اوربا.
بالتالي ووفق مفهوم الامن الجماعي فان هذه المآلات الكارثية تؤكد ان اختطاف مليشيا ال دقلو للحكم في السودان يمثل الخطر والتهديد الوجودي للسودان وللسلم والامن الاقليمي والدولي.
ان إزالة هذا المهدد الاستراتيجي يتطلب في البدء وعي الشعب السوداني بان هذه المعركة مصيرية، وتقتضي الاصطفاف والتلاحم مع الجيش السوداني، بالفكر والوعي والدم والمال والطعام والرجال ولئن تموت ثلث الامة السودانية في معركة الكرامة لتحيا البقية حرة عزيزة اهون من البقاء ترسف في اغلال عبودية مملكة آل دقلو الارهابية.
وازالة هذا المهدد الاستراتيجي يتطلب من المؤسسات الدولية والاقليمية تصنيف مليشيا ال دقلو منظمة ارهابية، ودعم الدولة السودانية سياسيا وعسكريا وماليا ودبلوماسيا حتى استئصال المليشيا الارهابية لمنع تدحرج السودان في اتون التفكك والانهيار ولصيانة الامن والسلم الاقليمي والدولي.
التعليقات مغلقة.