الايام نيوز
الايام نيوز

مشاهد محمد الطيب عابدين رزنامة حرب قلب الوطن ٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مشاهد
محمد الطيب عابدين

      *رزنامة*

حرب قلب الوطن
“””””””””””””””””””””””””””
( ٤ )

*طاحونة الحرب تدور دواليبها الحجرية في جنون، تدهس البشر و الأنعام و الشجر*، يطير ذاك العصفور الصغير مذعوراً من أصوات الإنفجارات، يكاد يهوي على الأرض رعباً، كلما فر صوب مكان قفل راجعاً مرتجفاً وهو كظيم . الحيوانات تعدو وتعوي عواءً مخنوقاً مرعوباً، تشكو إلى الله هؤلاء البشر، منعوها الطعام ، حرموها المنام، و أرعبوها دون ذنب جنته، *هي لا تدري ان البشر ينفقون على السلاح أكثر ما ينفقون على الغذاء، ليقتلوا بعضهم البعض* . 

عادت المياه إلى حنفيات البيت، وقد إقتربنا من الشهر، كانت تجربة عصيبة، و شاقة، تلك رحلة البحث عن حنفية تقطر ماءً، ثم رفع مواعين الماء إلى الطابق الثاني، وهكذا دواليك كل يومين . الماء سر الحياة .. و أحياناً عنت الحياة .

المخزون الغذائي البيتي يتناقص كأنه لوح ثلج في غائظة النهار . يكاد ينعدم المال النقدي ( الكاش ) صار أندر من أسنان الدجاج، الأسواق تجف منها السلع كأنها قاع بركة انحسرت عنها المياه . الخرطوم تتحول إلى مدينة محروقة موحشة، حزينة، منهوبة جائعة، عطشى، ترقد في حضن النهر العظيم .. تلك محبوبتي الخرطوم .

لم تعص الله الخرطوم، ولكن حكامها عصوه، هم مترفوها الفاسقون ..

الناس في أطراف الخرطوم البعيدة، و الولايات الآخرى لا يحسون بالحرب، يعيشون حياة طبيعية، يتفاعلون معها كأنها حرب في بوركينا فاسو أو بلاد الواق واق ، حقاً هي حرب قلب الخرطوم .. قلب الوطن ..

لا يكاد القوم يفقهون شيئاً، أو يتعظون مما جرى، الشيوعي و قحت يجزمون أن الإسلامويون هم من أوقدوا نار الحرب و أطلقوا رصاصتها الاولى، و أهل المؤتمر الوطني يقسمون بالله قسماً مغلظاً ان الحرية و التغير كانوا دعاة الحرب و أشعلوا فتيلها بعود ثقاب جلبوه من الإمارات . يتراشقون بالاتهامات و التنابذ و كذوب اليمين المغلظ . كلهم حلٌافٍ مهين . مناع للخير معتد أثيم .

يرشق الناس الرصاص، و دانات المدافع ترديهم صرعى في البيوت و في المساجد،  و غداً يهلكون من الجوع و المرض و قتل اللصوص . سحقاً لكم دمرتم بلادنا بهذا الخطل الذميم .. 

من منكم يساوي تراب حذاء الأزهري

من منكم بقامة المحجوب ذاك الأديب السمهري

من منكم يطال هامة الشريف حسين العبقري

عن اي وطن تتحدثون ؟ .. و في اي ارض تعيشون ؟ .. و الناس في بلدي يموتون ؟ .. احياء أنتم أم ميتون ؟ .. كل هذا من أجل السلطة و الحكم الذي يجلب المال . الآن أحكموا تلك الحجارة و ركام الخرابات، و طوابير القبور الجديدة، و كلاب الطرقات الجائعة تأكل جثث الموتى في نهم .

متى تكفون عن خطاب الكراهية و التخوين و العنصرية و التكفير البغيض ؟، مزق بلادنا مزعاً و أنتم لا تشعرون . أحزاب صغيرة، و آخرى متناهية الصغر . حزب الرجل/ المرأة الواحد . نتف حزبية . حركات مسلحة . حركات بلا سلاح و بلا نفر و لا هوية . كلكم في الشر سواء تنازعتم ثوب الوطن فتمزق و أنفتق . من يدير الحرب كلكم عنده عدو، لن يفرق بينكم حينما يزيح عتلة أمان سلاحه و يرسل عليكم الرصاص مدرارا، تموتون كالانعام بل أشد ضلالا .

نحتاج مشروعاً وطنياً جديداً جامعاً، برؤية إستراتيجية سودانوية، يعيد بناء السودان .

تنتابني حالة غضب عارم، أحس بركاناً بصدري يوشك أن ينفجر، و إن نفثته أحرق الدنيا و لم يذر، كيف أضحت بلادنا مرتعاً للأجنبي بهذه الجرأة و الوقاحة و السفور ؟ ، كيف تحول السفراء الأجانب الي ناشطين سياسين ؟ و قد جاءونا فقراء من السياسة و التحزب و الديمقراطية التي لا تعرفها بلدانهم قيد أنملة . لماذا تعادينا جل حكومات الجوار ؟ لماذا يضمر حكامها الشر لنا دائماً ؟ و قد عاش بعضم بيننا .. ثم حكم . لماذا يتدخل كل العالم ، صغيره و كبيره ، في شأننا و يتحكم ؟ . بات المواطن السوداني يخجل من حكومته . يخجل من بعض أحزابه . يخجل من جل حركاته . يخجل من قادته . يخجل من بعض رجال الدين فيه، و يخجل حتى من نفسه عندما يرى الأجنبي يأمر و ينهي . يأخذ و يعطي . يقرر ما يشاء في امر بلادنا . يتدخل في أدق تفاصيل حياتنا، و يتدخل حتى في سراويلنا .

من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام

و من يَضَعُ سرجاً على ظهره، يركبه أخس الناس و أحقرهم، ثم يضع لجاماً على فمه، و يهوي بالسوط على ظهره .. ثم يقوده .

كيف قبل حكامنا خلال الخمس سنوات المنصرمة العجاف، بهذا الذل و الهوان، ولماذا هم يجيدون السمع والطاعة و التبجيل للأجنبي، و يضعون أصابعهم في آذانهم خشية حديث المواطن . هذا وطن عظيم، حكمه عظماء، و شعبه أعظم، لا يستحق ما حاق به على أيدي صغار و مراهقي السياسة، و العسكر السياسي، و أدعياء نضال الحركات المسلحة، و أرباب السفارات، عبدة الدولار و الريال، و الدرهم المعطون في دماء الشهداء .

الإستقواء بالأجنبي كمن يربى عقرباً، حتماً تلدغه … لا أحد في العالم يعطي بدون مقابل . المال السياسي لا ينفق صدقة لله، كما أخذت تعطي .. و تطأطئ .. ثم تسجد لتلعق الحذاء، ولو كان ملطخاً ببول الخنازير و الكلاب .

لا أدري لماذا فشلت أمريكا فشلاً مبيناً في علاقاتها مع السودان . ولماذا تتعامل معه دوماً عبر وسيط آخر ( السعودية – الأمارات – مصر )، يبدو أن أمريكا لا تحسن غير فرض العقوبات على السودان، ثم تبتزه مالياً ، وهو فقير ، ليدفع مقابل رفع تلك العقوبات، ثم تعود لتهدد بعقوبات آخر .

كيف فشلت أمريكا بكل مراكز بحثها و دراساتها و علماؤها و مخابراتها في فهم سيكولوجية الشعب السوداني و حكامه على مر الحقب ، *أم أنها تُضمر شيئاً و تتأبط شرا* . 




*كوابيس الأحلام  تهز مضجعي، تؤرق نومي، تسهدني، ما بال هذه القطط المتوحشة التي سكنت عمارات الخرطوم، تنازعني  سمكتي الشهية المطهوةً علي الزيت .. حتى كوب الفراولة باللبن نازعتني فيه، و عضٌت أصبعي ...*



 يتبع بإذن الله ،،،

محمد الطيب عابدين
بري أيقونة الخرطوم
الأحد ١٤ مايو ٢٠٢٣م

التعليقات مغلقة.