دولة القانون التعبئة العامة بقلم د. عبد العظيم حسن المحامي
دولة القانون
التعبئة العامة
العدوان أو نمط الاجتياح الواسع الذي تعرضت له معظم مدن وفرقان السودان على أيدي الجنجويد شكّل حالة لم تسبقهم عليها إلا القوات الإسرائيلية. هذا الوضع الشاذ يبدو أنه لم يخطر ببال المشرع السوداني ليصدر بقانون القوات المسلحة أو قانون الخدمة الوطنية أو غيرهما قواعد تحكم تسليح المواطنين دفاعاً عن أنفسهم ووطنهم حتى عند حدوث مثل هذه الظروف. النص الصريح الذي يسمح لجهة مدنية أن تتحول لعسكرية ورد بقانون قوات الشرطة. هذا القانون أجاز لرئيس الجمهورية، في حالة الطوارئ، أن يأمر قوات الشرطة لتصبح جزءاً من القوات المسلحة وتلتزم بقانونها وأوامر قيادتها. غياب النصوص الصريحة لا يحظر على المواطن التماس القاعدة العامة الواردة بالقانون الجنائي والتي تبيح لأى شخص أو مجموعة أشخاص حق الدفاع الشرعي عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم طالما كان هناك تهديد حقيقي يقتضي رد العدوان. في ذات الاتجاه يجوز القول بأن القانون الذي يمكن أن يستشف منه بأنه يبيح لرئيس الجمهورية وحكام الولايات تنظيم كافة المواطنين لاستخدام القوة لمواجهة أي خطر ناتج عن الحرب أو التمرد أو أي ظرف طارئ هو قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997.
في ظل التحشيد والحشد المضاد والكاشف عن تفرّق أبناء وبنات الوطن بوجه ينبئ عن تصفية الحسابات ونشر الفوضى فإن هذا التجاذب ستكون نتيجته الحتمية كسر عظم الوطن وذهاب ريحه. غياب النصوص القانونية الصريحة والمنظمة لتجييش المواطنين في ظل النصوص العامة التي تبيح استعمال القوة لرد العدوان بالقدر الكافي فإن هذا الوضع يستلزم أجهزة الدولة أن تصدر، وبأعجل ما يمكن، اللوائح التي تنظم حمل السلاح واستخدامه وطريقة جمعه بما يضمن تحقيق الغاية. فالظروف التي تمر بها البلاد لا تسمح لأي جهة بأن تسعى لتحقيق مكاسب سياسية من شاكلة مع أو ضد وإنما علو الصوت الرافض للعدوان ومحاصرة استخدام الحرب كأداة لفرض أي أجندات أيدولوجية أو جهوية محلية كانت أو أجنبية.
التعبئة العامة سواءً اتخذت الطابع المادي المسلح أو المعنوي السلمي ما هي إلا آليات ضرورية لتنظيم كافة القوى الوطنية وحشدها لتدعم الآلة الإعلامية الرافضة للعدوان والمعتدين وعزلهم سياسياً واجتماعياً. التعبير عن رفض واستهجان ومناهضة اجتياح المدن ونهبها واغتصاب نسائها وقتل أبنائها ونحو ذلك من أساليب التشريد والتهجير القسري تظل أهم وسائل وقف الحرب بلا مداراة أو التفاف وإلا فُسرت كنوع من أدوات الدعم المبطن للمعتدين من أجل الاستظهار بهم للوصول للسلطة بالقوة. غرض التعبئة العامة الذي لا خلاف حوله أنها وسيلة للتأكيد الرسمي والشعبي الصارم بأن العدوان من أعظم أنواع الفساد في الأرض بما لا يجيز لأى جهة أن تدعم العدوان لا ظاهراً ولا باطناً.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
31 ديسمبر 2023
التعليقات مغلقة.